النشأة:
نشأت الهندوسية نتيجة تراكم معرفي ديني للتراث الهندي، وتبلورت من خلاله عبر آلاف السنين، ماجعل الهندوسية تجسِّد الشخصية القومية للمجتمع الهندي، في حين أن البوذية نشأت بفعل شخصٍ معيّن في إطار الرفض الصارخ للممارسات الهندوسية، وبتعبير آخر جاءت كحركة إصلاح اجتماعي ينطلق من مبادىء روحية وميتافيزيقية وسياسية ترفض نظام الطبقات الذي أعطى امتيازات واضحة للطبقتين الحاكمتين، البراهمة والكشتريا، وجعل البوذية تعتمد على الفئات الاجتماعية الأقل شأناً، وهي تتشبث بوجوب تخفيف سلطة البراهمة اللامحدودة إن لـم يكن القضاء عليها، وتعتقد البوذية القديمة بحقيقة التقمص والحياة الأخرى، وتسند مبادئها الروحية إلى وجود الكارمن (الفعل) والمصير الذي يخضع له الإنسان، ولكنَّها تؤكّد مع هذا بأنَّ الاحتفال الطقسي الدقيق كما تقرّره القوانين لن يوقف مجرى وعدد الولادات بل يؤثّر عليهما الخضوع للفضائل التي تنتج عن المسؤولية الشخصية.
وهكذا تحاول البوذية القضاء قضاءً تاماً على امتيازات الحسب والنسب الاجتماعية والوراثة الطبقية التي هي أسس المجتمع البراهماني، لذا ترحب البوذية دون تفرقة بجميع الذين يودون نقض سلطة البراهمة وتغدو من ثُمَّ ثورة اجتماعية.
وتستند البوذية في تعاليمها الروحية ـ كما جاء في موسوعة تاريخ الحضارات العام ـ إلى مبدأ صراع الخير والشر، وتصف كدواء لداء التقمص ممارسة فضيلة المحبة نحو جميع المخلوقات والتواضع والكفر بالذات، وعلاوة على ذلك فهي تؤمن بنظرية الفداء: إذ دون مخلّص سيخضع الأفراد إلى نتائج أعمالهم، وهذا المخلّص هو بوذا شاكيمني للطور الكوني الحالي، يليه يوذا ميتريا الذي سيغدو سيِّد العهد المقبل والذي سيسبق مجيئه زوال العالـم، ويشير البستاني في دائرة معارفه إلى أنَّ المذهب البوذي المقبول عموماً باتجاه المعبودات البرهمية يجعلها أدنى درجة من بوذة ومن الكهنة المحترميـن أيضاً جاعلاً بذلك النّاس أعلى درجة من المعبودات.
ثُمَّ يتابع البستاني قوله إنَّ بوذة ليس هو تجسيد لكائن أسمى بل هو كامل بالذات، وقد ذكر في الفيداس أيضاً أنَّ القداسة والتَّقوى والتأمّل والحكمة هي أقدس جميع المعبودات، وفضيلة الهنود تقوم بنكران النفس وقمع الشهوات وقهر الإرادة والشفقة على جميع الكائنات واستئصال الخطيئة، الذي يكون بعده معرفة غير متناهية، وكانت البوذية في الأصل بسيطة أدبية عقلية مضادة للميثولوجيا والفلسفة والاحتفالات وحرفة الكهنة، وكانت في أعلى درجة من الجودة والشفقة، وسهلة المراس تدعو جميع النّاس إلى الدخول فيها من دون تمييز بينهم باعتبار حالتهم ومركزهم مسهلة للجميع طريق الخلاص ومعلنة بأنَّه يمكن نوالها بطهارة السيرة، إلاَّ أنَّها لـم تنهَ صريحاً عن قسمة النّاس إلى أصناف ولا حرصت بالتسليم بها.