“الخيميائي” رواية عن راعي أندلسي يسافر طلباً لكنز مدفون في مكان قريب من الأهرامات الفرعونية, يقابل الراعي العديد من الأشخاص الذين يساعدونه, أو يلهمونه, أو يقفون ضده, في طريقه للكنز. ويواجه الراعي أيضاً الكثير من المواقف الصعبة, والأفكار المحيرة, واللحظات التي تتطلب شجاعة, واللحظات التي تتطلب بصيرة.
رواية مغرقة في البساطة والحكمة .. كعادة كل روايات باولو كويلو ..
واجهت رواية “الخيميائي” فشلاً في البداية؛ فلم يوزع منها في أول الأمر سوى 900 نسخة, بل إن الناشر اعتبرها عملاً فاشلاً لدرجة أنه أعاد لكويلو حقوق النشر, بعد ذلك نشر كويلو الرواية عند ناشر أخر لتصبح الرواية حينها الرواية الأكثر مبيعاً في الأدب البرازيلي في القرن العشرين, وتتصدر قائمة الأكثر مبيعات في ثمانية عشرة دولة, ويباع منها فوق الأربعين مليون نسخة في مئة وخمسون دولة, وتترجم لأكثر من ست وخمسون لغة, حتى أنه في عام 2003 ( بعد خمسة عشر عام من نشر الرواية ) كان ترتيب الرواية السادس على العالم في مستوى المبيعات.
المكان الذي تبدأ منه رواية “الخيميائي” هو في جنوب أسبانيا, في سهول الأندلس, بالقرب من مدينة “طريفا” الواقعة عند مضيق جبل طارق, والتي لا يفصلها عن مدينة “طنجة” المغربية سوى 14 كيلو متر, والوقت, الذي تأخذ الرواية فيه مجراها, هو في أوائل القرن العشرين, أو أواخر القرن التاسع عشر؛ ورغم أن زمن رواية, عموماً, غير واضح فيها, إلا أننا نستطيع القطع بهذا الوقت؛ لأننا في بداية الرواية نرى خيميائياً يقرأ قصة ” التابع” ( The Disciple ) للأديب الأيرلندي “أوسكار وايلد”.
وقصة وايلد هذه عبارة عن تعديل على أسطورة نرسيس (نرجس) الشهيرة؛ فالأسطورة تقول أن نرسيس أٌخذ بجماله, وكان يتأمل نفسه في البحيرة كل يوم, حتى سقط في البحيرة ومات غرقا. لكن أوسكار وايلد يستطرد بعد هذه النهاية, ويقول بأنه بعد وفاة نرسيس تنزل ربات الغابات لتسأل البحيرة عن جماله, لكن البحيرة تقول أنها لا تعلم عن جماله شيئاً؛ فهي كانت تنظر لجمالها هي في عينيه. في الحقيقة أنه اقتباس رائع جداً من كويلو, وقد ألقى هذا الاقتباس بظلاله على فكرة الرواية, حتى أن أحد دور النشر قد جعلت لوحة “نرسيس” للرسام الإيطالي “كارافاغو” غلافاً لرواية الخيميائي.
دائما ما نجد نزعة روحية, وصوفية, وأحيانا باراسيكولوجية, في روايات كويلو, وهذا هو طبع كتابات كويلو, وهذا أحد أسرار نجاحه, فأحيانا يحتاج القراء من يعيد المعنى لوجودهم, ويخبرهم أن لحياتهم هدف, وأن عبثية وبرود الحضارة الحالية ليست نهاية المطاف. أيضاً يشتهر كويلو ببساطة أسلوبه الشديدة وببساطة مفرداته, تلك البساطة التي يرافقها دائماً عمق غير عادي في الطرح, ومن ما يتصف به أسلوب كويلو, هو انه لا يصف كثيراً البيئة البرازيلية, وربما يعود ذلك لكونه رجل يحب السفر؛ لذلك يهتم بوصف المكان الذي ذهب إليه أكثر من اهتمامه بوصف المكان الذي جاء منه, ويذكر أنه من أهم أسباب شهرة رواية “الخيميائي” عالميا هو سحر الشرق الموجود في الرواية, وعزز كويلو هذا السحر باستعراضه بعض أوجه التراث العربي والثقافة الإسلامية في الرواية.
أن أكثر ما يميز رواية “الخيميائي” هو بساطة المواقف التي ترافقها دلالات عميقة, وهو ما يجعلني أبالغ نوعا ما, وأعتقد أن رواية “الخيميائي” كتبت بفكرتها, أعنى أن الرواية نفسها التي قدمت فكرة الإشارات الكونية, تحمل نفسها إشارات – تظهر في مواقف أو شخصيات أو جُمّّل – قد تبدو للبعض هامشية, وطفولية, وبلا أي معنى, وقد تبدو للبعض الأخر أنها دلالات مهمة, ومعاني عميقة, وإضاءات ضرورية, تماماً مثل الإشارات الكونية التي تحدثت عنها الرواية, وكأن باولو كويلو مبرمج قرر أن يكتب كتاب عن التشفير فكتب الكتاب مشفراً؛ فيكون الكتاب بهذه الطريقة كتب بفكرته