المثل الأميركي الذي يقول «نكتة الثري دائماً مضحكة»، يذكّر الجماهير بتصريح لرئيس نادي ريال مدريد فلورنتينو بيريز، في يوليو الماضي الذي طالب فيه الاتحاد الأوروبي بتكوين دوري أوروبي خاص بأقوى الأندية الأوروبية فقط ليواجه بعضها بعضاً.
ويبدو أن على بيريز الآن أن يصحو ويتذكّر أن ناديه لم يكن ضمن أفضل الأندية الأوروبيّة في السنوات الست الأخيرة، حيث إن الفريق الذي صرف في الصيف الماضي ما يقارب 230 مليون جنيه استرليني (450 مليون دولار)» كان غير قادر الأربعاء الماضي على التأهل إلى الدور ربع النهائي من دوري أبطال أوروبا للمرة السادسة على التوالي، بعد خسارته على أرضه أمام ليون الفرنسي، الذي لا يُعتبر الأقوى في بلاده، حيث يحتل الترتيب الرابع في الدوري المحلي.
نكتة الثري هذه المرة لم تكن مضحكة فحسب، بل كانت غير مقنعة حينما طالب بتكوين دوري من أقوى أندية أوروبا وفريقه لا يُصنف ضمنها!
كان المشهد مؤلماً لمشجعي الفريق الملكي الذين تابعوا «استاد البرنابيو» مملوءاً بـ 80 ألف متفرج يتحول إلى سيرك من صافرات الاستهجان، على قرار غير متوقّع في الدقيقة «77» من مدرب الفريق مانويل بيلغريني بتبديل البرازيلي ريكاردو كاكا الذي كان يبلي بلاء حسناً ليشرك راؤول غونزاليز الذي يُعتبر زيادة عدد على دكة الفريق الأبيض.
فبعد أن بدأ كريستيانو رونالدو التسجيل في الدقيقة السادسة من عمر المباراة، مسجلاً هدفه الـ 21 هذا الموسم، شعر مشجعو مدريد بأن كابوس ربع النهائي اقترب أخيراً من النهاية ولكن مع تضييع الفرص عليك أن تتوقع استقبال الأهداف، وهذا ما حدث في الدقيقة «75» حينما عادل البوسني ميراليم بيانيتش النتيجة للضيوف ليدقّ بذلك المسمار الأخير في نعش ريال مدريد الذي كان يحتاج إلى تسجيل هدفين آخرين للتأهل، وبالتالي ودّع أبناء بيليغريني البطولة من أوسع أبوابها مع خسائر متوقعة بنحو 54 مليون جنيه استرليني «106 ملايين دولار»، إذ صوّرهم الإعلام الإسباني في الصيف بالوحش الذي لا يمكن إيقافه.
وكانت هذه الصدمة الثانية لمشجعي الريال بعد صدمة الخروج من كأس إسبانيا في نهاية أكتوبر الماضي على يد فريق من الدرجة الرابعة يُدعى الخورون وبنتيجة 4/1 بمجموع المبارتين، رغم أن نادي خورون يتسع ملعبه لـ 3000 متفرج، وتقدّر ميزانيته السنويّة بنحو مليون باوند «مليوني دولار»، أي أقل بـ 300 مرة من ميزانية ريال مدريد السنوية استطاع أن يخرج الأخير من البطولة بصورة مذلّة للغاية لتتبقى أمام الريال الآن بطولة واحدة فقط لإنقاذ موسمه وهي الدوري.
في السنوات الست الأخيرة التي فشل فيها في التأهل إلى الدور ربع النهائي، صرف ريال مدريد ما يُقارب 620 مليون جنيه استرليني «1.2 مليار دولار» على شراء اللاعبين، وفي المقابل كان ربحه من بيع اللاعبين يُقارب 220 مليون باوند فقط (344 مليون دولار)، أي أن الفارق بين الشراء والبيع يبلغ 400 مليون جنيه استرليني (789 مليون دولار)، والنتيجة كانت صفراً على اليسار أوروبياً.
وكانت المرة الأخيرة التي تأهل فيها الريال إلى الدور ربع نهائي الأبطال في موسم 2003-2004 حينما خرج على يدّ موناكو الفرنسي بنتيجة 5/5 بمجموع المبارتين، على اعتبار تسجيل موناكو هدفين على أرض الريال بمرحلة الذهاب حينما خسر فريق المدرب الفرنسي ديديه ديشامب بنتيجة 4/،2 ولكن عاد وانتصر على أرضه بنتيجة 3/.1
وكان الخاسر الأكبر من خروج ريال مدريد المبكّر البرتغالي كريستيانو رونالدو سبق له الوصول إلى نصف النهائي مرة واحدة، وللنهائي مرتين مع فريقه السابق مانشستر يونايتد وحقق اللقب في مناسبة واحدة.
وبعد كل هذا المجد الذي حققه مع الشياطين الحمر كان يُمنّي النفس بأن يكون مشروع فلورنتينو بيريز مشابهاً لذلك المجد مع فريق شمال انجلترا، ولكن تأتي الرياح بما لا تشتهي السفنُ، والضربة كانت موجعة للبرتغالي الدولي الذي صرف فريقه السابق مبلغ 24 مليون جنيه استرليني فقط (47 مليون دولار) في الصيف، واستطاع في اليوم نفسه الذي خرج فيه الريال أن يمزّق العملاق الإيطالي ميلان برباعية مذهلة.
وكذلك حال الفرنسي كريم بنزيمة الموهبة الفرنسية الكبيرة، إذ كان يمنّي النفس هو الآخر بأن الخروج من ليون هو الطريق نحو بطولة أوروبية، وتحد أكبر، ولكن كان الصدام مع فريقه السابق في الدور الثاني خروجاً لفريقه الجديد، ولابد أنها صدمة عليه أن يتقبلها عاجلاً أم آجلاً.
فلورنتينو بيريز، رجل الأعمال الإسباني الذي تقدّر ثروته بنحو 665 مليون جنيه استرليني (1.3 مليار دولار) سيجر بالتأكيد أذيال الخيبة في موسمه الأول، بعد الأرقام الهائلة التي صرفها لضمّ كوكبة النجوم المكونة من أمثال رونالدو، بنزيمة، ألونسو وكاكا، وبالتالي خروج مخيّب للآمال من البطولة، بل إن المبلغ الذي صرفه بيريز في الصيف الماضي يتجاوز المبلغ الذي يتحصل عليه الفائز بلقب بطولة دوري أبطال أوروبا! ولكن تطفو مشكلة بيريز مجدداً على السطح باهتمامه بالجانب الهجومي وإهماله الجانب الدفاعي، فلورنتينو إبان فترته الأولى في ريال مدريد الممتدة لستة أعوام من 2000-2006 قام بأكبر خطأين بإقالته للمدرب الإسباني فيسينتي ديل بوسكي الذي أحرز لقبين للدوري ودوري أبطال أوروبا، وأيضاً برفضه طلب لاعب الارتكاز الدفاعي الفرنسي كلود ماكليلي بتحسين عقده، وهو كان يتقاضى أقل بكثير من المبالغ التي كان يتقاضاها لاعبون كزيدان وفيغو ورونالدو ليُطالب بالخروج الذي صُنف عبر الكثير من النقاد واللاعبين بأنه كان بداية النهاية لريال مدريد، وبالفعل منذ خروج ماكليلي لم يحقق الريال لقب الدوري إلاّ بعد مرور أربع سنوات وبقيادة المحنك فابيو كابيللو، كما أنه لم يحقق أي لقب أوروبي حتى الآن.
وما كان مثيراً للجدل تصريح بيريز بعد خروج ماكليلي حينما وصف الأخير بأنه «لاعبٌ متوسّط ويفتقر للسرعة والمهارة ليتجاوز الخصوم»، بينما وصفه زميله اللاعب الإنجليزي السابق ستيف ماكمنمان في سيرته الذاتية بأن كلود كان «أهمّ لاعب في الفريق»، بينما انتقد فرناندو هيرو قائد الريال السابق قرار بيريز بالاستغناء عن ماكليلي، ووصف الأخير بـ«أفضل لاعب في الفريق منذ سنوات»، حتى إن زين الدين زيدان حينما وقّع فريقه مع النجم الإنجليزي ديفيد بيكهام قال: «ما فائدة إضافة صبغ ذهبي آخر إلى البنتلي بينما أنت فاقدٌ للمحرك بأكمله!»، واصفاً ماكليلي بـ«المحرك».
وبعد معاناة الفريق من دون لاعب ارتكاز دفاعي، حاول بيريز أن يتعاقد مع لاعب أرسنال السابق الفرنسي باتريك فييرا في ،2004 لكن المفاوضات فشلت بسبب رفض بيريز دفع مبالغ باهضة للاعبي الارتكاز الدفاعي! وهذا إن دلّ على شيء فإنه يدل على ثقافته الفقيرة في كرة القدم المعاصرة التي تبدأ من قوّة الدفاع وأهمية النزعة الدفاعية لدى لاعبي الوسط. بينما الآن ريال مدريد يملك خط دفاع ليس بمستوى قوة وأسماء خط هجومه ووسطه، حيث إنه بيريز تعاقد مع الإسبانيين راؤول ألبيول لاعب فالنسيا وأربيلوا لاعب ليفربول لتعزيز الخط الخلفي، ويبدو الأمر ناجحاً في الدوري المحلي الذي يملك فريقه ثاني أقوى خط دفاع بعد برشلونة، لكن على المستوى الأوروبي يملك ثاني أضعف خط دفاع من الفرق المتأهلة للدور الثاني، حيث استقبلت شباكه سبعة أهداف بالمعادلة مع ميلان وفيورنتينا وشتوتغارت وخلف سيسكا موسكو الأضعف باستقبال 10 اهداف. ولكنه على الجانب الآخر يملك أقوى خط هجوم من الفرق المتأهلة بتسجيله 15 هدفاً في مرحلة المجموعات. نادي ريال مدريد يُدار بالمال دون العقل والحكمة، فبغض النظر عن الدفاع المتوسط والهجوم الذي يبدو أفضل فإن التغييرات السنوية لأعداد كبيرة من الاعبين تضرّ باستقرار الفريق من نواح فنيّة وحتى كمجموعة فمن الضروري أن تخلق جواً من الصداقة والأخوة بين اللاعبين، وتحافظ عليههم كما هو الأمر في برشلونة ومانشستر يونايتد، حيث إن لاعبي هذه الأندية يشعرون بأنهم في المنزل وبأنهم أُسرة واحدة.