كمن يسير في الصحراء ، فيرى من شدة عطشه السراب ماء فيركض اليه ، يلهث ، يصله فيجده سرابا ، يظل الظاميء للحب يطارد السراب ولا يجد الماء ليطفيء عطشه ، ومن النادر ان يجد الظاميء للحب الحقيقي الماء وسط لهيب الصحراء وعطشه .
إن فقدان حالة الحب الحقيقي في هذا الزمان ناتجة عن مجموعة من العوامل والأسباب في اولها زيف المشاعر عند البعض وإن ظهرت براقة نقية سرعان ماتتحول إلى وهم وحالة من العداء احيانا ، كما ان انشغال البعض بمطاردة سراب الحياة المادية والانتقال بشكل مفاجيء وقوي من الروحانيات السامية التي تسمو بالروح والجسد ، إلى حضيض المادية الملموسة والمغرقة في الانغماس بالشهوانيات المادية ، ومما لا يخفى على احد ان متطلبات الفم تختلف عن متطلبات العين والأذن وغيرها من الاعضاء وبالتالي فإن كثرة متطلبات اعضاء الجسم اكبر بكثير ونجد انها الأهم عند الكثير من الافراد والجماعات ، مما يؤدي بطبيعة الحال إلى خيانة المتطلبات المادية لمتطلبات الروح .
ما سبق يقودنا إلى تفسير ظاهرة الخيانة بين الحبيبين او لربما ظاهرة الفشل في الحب واعني بالحب هنا الحب المؤثر والحقيقي الذي يتغلغل في الروح والجسد وينزلق من خلال مسامات الجسد إلى ماوراء الجسد من روحانيات.
لماذا يفشل الحب ؟
ان هذا النوع من الحب يظهر للوهلة الاولى بأنه حقيقي وعميق ومتجذر في الروح والجسد ، ولا يمكن ان تشوبه شائبة او تهزه واردة او نائبة مهما بلغ حجمها ، ولكن الاجابة على هذا السؤال باعتقادي ليس من السهل على العقل المتدبر والقلب المتفتح ان يجد اجابة شافية ونهائية ، فنحن هنا نتحدث عن مشاعر واحاسيس لا عن علوم رياضية تخضع لمفهوم الطرح والجمع او مفهوم المنطق بمفهومه الشامل ، لكنه بالمجمل يمكن القول ان حالة التقديس والقداسة في رؤية كل ماهو جميل ومثالي وخلاق ومبدع عند الحبيب فينسى المحب ان حبيبه انسان يخطيء ويصيب ، يحب ويكره ، له من المساويء كما له من المحاسن ، فتصيب المحب الصادق الفاجعة والطامة الكبرى ان اختلت هذه المعادلة او الصورة التي رسمها المحب للحبيب ووجد عند الحبيب ما يعكر صفو هذه الصورة ، خاصة وان المحب والحبيب معا ينظران كل منهما للاخر على انه لوح بلور شفاف ومضيء ، فإذا غطى اللوح البلوري هذا ضباب ، غابت الصورة الواضحة عن عينيه فيعتقد المحب ان الحبيب قد تغير حبه وتبدل او ان الحبيب لم يعد يحب المحب ، فتبدأ ظاهرة شك الحبيب بالمحبوب ، وهي مشكلة كبيرة يعاني منها المحبون باستمراركنتيجة حتمية في رأي المحب والحبيب ايضا على حد سواء نتيجة تغير السلوك عند الاخر في رأيه وبالتالي قد تغير حجم الحب ونقائه مما يؤدي لأن يقوم كل طرف بسلوك غير مفهوم عند المحبوب فيرد المحب بسلوك غير مفهوم هو الاخر كرد فعل سلبي وعنيف تجاه محبه ، فيبدأ كل واحد بالنظر إلى الاخر نظرة ريبة وشك ، في الوقت الذي يتهيأ لكل طرف انه على حق وبأن شريكه على باطل وخطأ كبير ، وبأن الاخر لا يستحق الثقة والحب الذي قدمه له وهكذا ... فتصبح المشكلة هنا كورم سرطاني خبيث ينتشر في جسد علاقة الحب ، وقد لا يعترف الطرفان للاسف بأعراض هذا الورم الخبيث معتقدين ان الالام ناتجة عن آلام الحب الحقيقي ، فيصبران على شدة الالم في الوقت الذي يظل فيه الورم السرطاني ينمو ويترعرع في هذه التربة الخصبة ، وعندما يكتشف الطرفان الالام ليست نتيجة الحب الحقيقي بل ناتجة عن خلل في داخل جسد الحب الحقيقي ، يجدان ان مرحلة العلاج السريع قد انتهت ، وبأن مرحلة الاستئصال لم تعد تعطي نتيجة مجدية ، وبأن العلاج بالكيميائيات لإنقاذ حياة الحب قد باءت بالفشل وتحول جسد الحب الى هيكل عظمي خال من الروح والجسد .
"Romans"